السياسة تتلبس بالدين- قراءة في جدل الحجاب وصراعات "روح الإسلام"

المؤلف: هشام جعفر08.07.2025
السياسة تتلبس بالدين- قراءة في جدل الحجاب وصراعات "روح الإسلام"

إنّ خبرتي التي تجاوزت ثلاثة عقود من التمعّن في النقاش الدائر حول القضايا الدينية والثقافية، سواء على الصعيد الداخلي للدول أو على المستوى الدولي، علّمتني أن أنقب عن الدوافع السياسية الخفية التي تكمن وراءها. ويتصل بهذا التوجه تطور آخر تجلّى بوضوح على مدار العقد الماضي، وهو اندلاع صراع حاد ومستعر حول ما يسمى بـ"روح الإسلام"؛ وهذه المعركة تدور رحاها حول تحديد أنماط التدين التي يجب أن تسود في داخل المجتمعات، والتي يجري الترويج لها وتصديرها على نطاق عالمي.

إنّ الترويج لما يطلق عليه الحكام العرب مصطلح "الإسلام المعتدل" – والذي يشهد نزاعًا محتدمًا في المنطقة حول تحديد من يمثله تمثيلًا حقيقيًا – عن طريق إضفاء الطابع المؤسسي والتنظيمي على الحقل الديني، يهدف إلى الوصول إلى صورة للإسلام لا تشكّل أي تهديد لكياناتهم السياسية ودوامها واستمرارها، ولا تهدد كذلك بنمط تحالفاتهم وشبكات مصالحهم المالية والدولية. إنهم يسعون إلى إسلام لا يعيد توزيع السلطة والثروة بشكل عادل في المجتمع، كي لا تكون الدولة مقتصرة على الأغنياء فقط، كما ورد في آية سورة الحشر.

إن الجدال بشأن الحجاب ليس وليد اللحظة، بل هو نقاش قديم متجدد يعود بجذوره إلى كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" الذي نُشر في أواخر القرن التاسع عشر، وقد استمر هذا الجدال على امتداد القرن العشرين وإلى يومنا هذا. قلّما نجد حقبة زمنية في تاريخ مصر تخلو من هذا النقاش، إلا أنه في كل مرحلة تتعدد الأطراف المشاركة فيه، وتختلف وجهات نظرها، وتتباين الحجج والبراهين المستخدمة في الجدل حوله.

بناءً على ذلك، فإن رؤيتي تتمحور حول أن الصراع الدائر حول أنماط التدين المتعددة والجدالات الدينية المحتدمة ما هو إلا صراع سياسي خالص يرتدي عباءة الدين أو يستخدم مفردات ذات طابع ديني. وبعبارة أكثر وضوحًا: لقد اخترق السياسي الديني بغية إعادة إنتاجه ليصبح تعبيرًا عن مصالح الجهات التي تقف وراءه. وما نشهده اليوم هو أزمات وصراعات سياسية ذات أبعاد دينية وثقافية، تختبر من خلالها الأطراف المتنازعة موازين القوى والمصالح فيما بينها، وذلك في ظل تداخل وتشابك عميق بين المصالح الدنيوية والمشاعر الدينية.

مع تغليب السياسي وتعاظمه، يتم استدعاء الجميع إلى ساحته، الأمر الذي يؤجج نقاط التماس والنزاع. ومن ثم، فمن الضروري المضي قدمًا في التمييز بين المستويات المتعددة للتحليل، ولا سيما بين البُعد السياسي والبُعد الديني/الثقافي، مع إدراك الخلفية السياسية التي تتحرك عليها القضايا الدينية. إذن، ما هي الخلفية السياسية التي يستند إليها الجدال حول مسألة الحجاب في مصر؟ هذا الجدال الذي أطلقه مؤخرًا سعد الهلالي - أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر - من خلال برنامج "الحكاية" الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب - والذي يعتبر أحد الأصوات الإعلامية المعبرة عن النظام المصري-، وذلك عبر قناة "إم بي سي مصر" السعودية، وهي القناة المخصصة للشأن المصري؟

وجدير بالذكر أن الجدال حول الحجاب هو قضية قديمة متجددة تعود إلى كتاب "تحرير المرأة" لقاسم أمين الذي نشر في نهاية القرن التاسع عشر، واستمر النقاش حولها طوال القرن العشرين وحتى يومنا هذا. لا تكاد تخلو حقبة من تاريخ مصر من هذا الجدال، ولكن في كل مرحلة، تتعدد الأطراف المشاركة، وتتباين الحجج المستخدمة. الأهم من ذلك أن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يجري فيها الجدال تختلف إلى حد كبير، مما يجعل الدوافع السياسية الكامنة وراءه متباينة، على الرغم من وجود بعض الخصائص المشتركة بينها.

وتدور الخلفية السياسية في الجدال الحالي حول ثلاثة عناصر أساسية:

أولاً: إحياء الجدل الديني وتأميم السياسي

في الوقت الذي يتم فيه التعامل مع النقاش السياسي والاقتصادي بمنتهى الحزم والشدة من قبل النظام المصري، يلاحظ تصاعد وتيرة الجدل الديني في موجات متتالية لا تنتهي إحداها حتى تبدأ الأخرى.

من الملاحظ أيضًا أن النقاش يبدو غير فعال من الناحية العملية، إذ أن المشاركين المتنوعين يبذلون قصارى جهدهم في التعبير عن مواقفهم الخاصة، بدلاً من التواصل الفعال والتفاعل مع بعضهم البعض. وفي غضون ذلك، يتمتع المسؤولون بحرية التصرف بغض النظر عن التوجهات والمواقف التي يتم تداولها في الأماكن العامة.

صحيح أن احتدام الجدل الديني يعكس عجز النظام عن السيطرة الكاملة على المجال الديني. فعلى الرغم من نجاحه إلى حد كبير في التحكم في المجالين السياسي والاقتصادي، إلا أن هذا الجدل يستخدم أيضًا لخدمة مزيد من تهميش وتفريغ المجال السياسي من محتواه الحقيقي.

حين يتحول النقاش العام إلى قضايا هامشية لا تتمحور حول توزيع السلطة والثروة في المجتمع، وهي القضية الأساسية للمصريين والعرب جميعًا، والتي تدور حول نظام سياسي كفء قادر على تلبية متطلبات العيش الكريم، فإن طغيان الديني على السياسي، والسياسي على الديني يؤدي إلى إرباك الجميع، والأهم من ذلك هو التغطية على أولويات الناس وقضاياهم الجوهرية. فالسقف المرتفع للجدل الديني لا يوازيه سقف مماثل في السياسة أو توزيع الثروة، والجرأة على الدين لا تماثلها جرأة مماثلة على السلطة أو مرتكزات الثروة، والخلاف على صياغات مواد الدستور لا يكافئه الجهد المبذول في تفعيله. وهنا تكمن مفارقة جديرة بالرصد والاهتمام.

بالاستناد إلى أطروحة ناثان براون في كتابه "جدالات الإسلام" - الصادر بالإنجليزية في عام 2017 - وبالرغم من تصاعد الجدل حول الديني في النقاش العام في المنطقة العربية، وباستثناء وحيد وهو خلق توجه عاطفي تجاه بعض الممارسات والقوى السياسية، فإن جمهورية الحجج والجدل الديني لا تؤثر بشكل كبير في السياسة الواقعية لدول المنطقة، ولا تفرض عليها تغييرًا ملموسًا. ويضيف أن "المشكلة ليست في ندرة الجدل والحجج، ولكن في ضعف الآليات المؤسسية لترجمة المناقشات العامة إلى سياسات عامة".

كما أن الأنظمة والمؤسسات السياسية بشكل عام غير مهيأة لتعكس الحجج السياسية من أي نوع. ومن هنا تبرز مشكلة ضعف الهياكل السياسية، مع وهن ثقافتها المؤسسية من حيث القدرة على إدارة التنوع والتعدد، فهي لا تتقن غير لغة الإقصاء والقمع. ومما فاقم الأمر أن طبيعة وخصائص الجدل الديني تترك بصماتها على المجال السياسي حين يسوده الاستقطاب، فالفشل في الاتصال بالحجة على الحكم يعزز الاستقطاب، ولا يعطي مساحة صغيرة للإقناع، ويوفر القليل من الحوافز للتسوية أو محاولات التوصل إلى اتفاق وحلول وسط. والاستقطاب هو البيئة التي تنمو فيها النظم التسلطية وتتغذى عليها.

كما نشهد جدالات ساخنة منفصلة عن أي نتيجة، ويجري تسخينها بشكل خاص لهذا السبب تحديدًا، خاصة وأن للسياسة قدرة على تضخيم بعض الأصوات على حساب أخرى في ظل أن بعض هذه المساحات تعمل تحت أعين أجهزة الأمن الساهرة.

كما تتحول السياسة - بحكم طبيعة الجدل الديني - إلى العمل في اتجاه واحد وليست - بحكم طبيعتها - في اتجاهات متعددة. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن ما أطلقت عليه في منتصف العشرية الأولى من هذا القرن "فائض التدين" في المجتمع المصري يؤدي بالسياسة إلى أن تكون ذات طبيعة أيديولوجية تتمحور حول الهوية، وليست برامجية أو "سياساتية" على غرار ما شهدناه في عقد الربيع العربي من احتدام الجدل الإسلامي العلماني مع العجز عن تقديم حلول لمشاكل الجماهير، وقد تتخذ طبيعة عقيدية حين تحكمها مفردات الحق والباطل والصواب والخطأ.

ثانيًا: الجدل الديني وخدمة أجندة النظام؛ ويجري ذلك من وجوه عدة أهمها:

  • استكمال سيطرة نظام 7/3 على الفاعلين الدينيين الرسميين، فبعد استكمال سيطرته على الجميع لم يتبق غير مؤسسة الأزهر وشيخها الطيب، الذي شنت عليه حملات متتالية من أطراف عدة غرضها الأساسي هو الخضوع لسلطة القيادة السياسية. فمن بين الجوانب الأكثر حدة في محاولات الرئيس المصري للسيطرة على المجال الديني، هو خلافه العلني المستمر مع شيخ الأزهر. فعندما تولى رئاسة البلاد في عام 2014، وجد خليطًا من المؤسسات الدينية، بعضها كان حليفًا له بشكل أو بآخر، أما بعضها الآخر فرفض التنازل مصممًا على أن مصداقية المؤسسات الدينية ترتكز على ترك مسافة آمنة بينها وبين الممارسات السياسية اليومية، وعلى قدرتها على حماية التراث الإسلامي والعلوم الشرعية التي تعتبر كنزًا وطنيًا يتجاوز التوجهات التنظيمية لكبار أعضاء السلطات التنفيذية، وهو ما يعد أحد مرتكزات شرعية الأزهر وشيخه.
  • أيضًا يصدر النظام عن تصورات بشأن مجتمع أكثر انضباطًا وأقل قابلية للتمرد. كما أنه وبعد تراجع الأخطار الحرجة، يتفرغ لإعادة ترتيب الأوضاع المجتمعية بما يُعزز استقرار الحكم على الأمد الطويل. وبهذا يُفهم البدء الآن في إجراءات قانون الأسرة.

    ولكن ما علاقة ذلك بمسألة الحجاب؟

    إن تحويل الحجاب من أن يكون شأنًا خاصًا (يستند إلى الإرادة الحرة لصاحبته) إلى أن يكون شأنًا عامًا، يجعله يرتبط بالتحكم والسلطوية - سواء من قبل السلطة السياسية أو أي سلطوية أخرى - أبوية أو ذكورية. ففي إطار الشأن الخاص، فالضمانة فيه - كما قدمت - يتم بإرادة حرة دون إكراه من أحد.

  • استكمال استعادة الأرض التي "احتلها" الإسلاميون على مدار العقود الخمسة الماضية، فقد استطاع النظام أن يقضي عليهم - ولو إلى حين - في المجال السياسي والاقتصادي والخيري … إلخ، وكذا في المجال الديني حين أمّم المؤسسات الدينية كافة، ولكن يظل المجال الاجتماعي الذي يعد الحجاب أحد مظاهره قائمًا. وقد أفصح سعد الهلالي عن ذلك صراحة حين قال: إن الحجاب أحد مظاهر حضور الإسلاميين في المجال العام، وبه يجري تصدير صورة للخارج عن استمرار وجودهم ونفوذهم في مصر. وللتوضيح هنا، فإن المعركة تدور حول استرداد الدين من الإسلاميين ليجري بعد ذلك السيطرة والتحكم فيه. وهنا نشير إلى أنه ولأول مرة في التقاليد السياسية المصرية فإن الرئيس يملك آراء دينية يفصح عنها، والأهم أنه يدفع مؤسسات الدولة لتبنيها مثل قضية الطلاق الشفوي.

    أمثال خطابات الهلالي وإبراهيم عيسى … إلخ على عكس ما يتصور بعض النسويات غير مفيدة للدفع قدما بتحرير النساء، لأنها تستثير في المقابل لها مساحات المحافظة الدينية والاجتماعية؛ وهو ما تنبه إليه شيخ الأزهر حين حرص على الجمع بين التجديد في بعض المسائل والقضايا وبين المحافظة على المنهج التراثي في النظر.

ثالثًا: تسييل الدين مع إعادة تعريف القيم السياسية

في الجدل حول الحجاب يبرز نمطان من الخطابات الدينية، يبدو في الظاهر أنهما مختلفان ولكنهما من طبيعة وجوهر واحد فيما يخص قضايا النساء:

  • الأول: يدفع بالتدين إلى مساحات الشأن الفردي الخاص بما يتطلبه ذلك من سيولة في تفسير النص المنزل، ويستخدم في أحد مداخله التعددية الفقهية - التي تعد إحدى سمات الخبرة التاريخية الإسلامية - لا ليدفع بقيمة التعددية قدمًا، ولكن ليملأ مساحات الفراغ الديني التي يعاد تشكيلها الآن. وقد أظهر استطلاع الباروميتر العربي عن علاقة الشباب العربي بالدين في الفترة ما بين 2021 و2022 أنه شهد المغرب انخفاضًا بنسبة 7% في عدد من وصفوا أنفسهم بأنهم غير متدينين بين كل الفئات العمرية، تليه مصر بانخفاض بنحو 6%، ثم تونس وفلسطين والأردن والسودان بانخفاض بنسبة 4%. هذه العودة للتدين تقابلها أزمة هوية وتشظي في الخطابات الدينية دفعت بها السوشيال ميديا قدمًا. وفي مقابل هذا النمط الذي يستخدم الفقه لمزيد من السيولة الدينية، نجد نمطًا يتمركز حول النص المنزل تفسيرًا، وهو نمط يحركه الدور التاريخي الذي أُنيط به وهو الحفاظ على التعاليم الإسلامية كما يدركها. أما لماذا هذان النمطان متشابهان من حيث طبيعة الموقف من حقوق النساء؟ فهو ما نناقشه في النقطة التالية.
  • الخطابان - وإن احتفت فيه بالأول الخطابات النسوية - لا يصدران عن رؤية متكاملة أو كلية تعالج قضايا النساء كما تصدر الحركة النسوية الإسلامية - التي استطاعت أن تطور منظورًا كليًا ينتصر لحقوق المرأة استنادًا للشريعة، وإنما يتعاملان بمنطق تجزيئي مع حقوق النساء. وقد قدر لكاتب هذه السطور أن يدير حوارًا مع رمزي الخطابين - الهلالي والأزهر - حول الموضوع بين عامي 2012 و2013 أثمر عن إصدار إعلان الإسكندرية حول حقوق المرأة في الإسلام أو ما اشتهر بعد ذلك بوثيقة الأزهر.بالإضافة إلى عدد من الدراسات الشارحة لهذا الإعلان، وقد خلص إلى نتيجة مفادها أن التسييس والمحافظة الاجتماعية اللذين يحكمان النقاش حول حقوق النساء قد أضرا بالقضية، وأنه دون التحرر من هذين العاملين مع امتلاك رؤية كلية لتأسيسها، فإن أي حديث في المسائل الفرعية لغو وزيطة - وهي بفتح الزاي ومعناها الجلبة واختلاط الأصوات - لن ينتج عنها الكثير. وأضيف أن أمثال خطابات الهلالي وإبراهيم عيسى… إلخ على عكس ما يتصور بعض النسويات غير مفيدة للدفع قدمًا بتحرير النساء، لأنها تستثير في المقابل لها مساحات المحافظة الدينية والاجتماعية، وهو ما تنبه إليه شيخ الأزهر حين حرص على الجمع بين التجديد في بعض المسائل والقضايا وبين المحافظة على المنهج التراثي في النظر، وهي مدرسة بدأت تظهر في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكنها تبلورت في الربع الأخير منه.
  • أخيرًا، فهل يمكن فصل الجدل حول الحجاب عن التطورات الجارية فيما يتعلق بالموقف من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني وفق اتفاقات أبراهام ودعاوى الدين الإبراهيمي، وجوهرها بغض النظر عن التفاصيل هو "إعادة تعريف العدو". وهذه العلاقة تتحقق من زاويتين تنبه إليهما تقرير صادر عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ذي التوجه الداعم لإسرائيل والمحافظين الجدد - بعنوان: "الاستصلاح: سياسة ثقافية للشراكة العربية الإسرائيلية":
  1. الملمح الأول: "يعلم الأشخاص الذين يدرسون المنطقة أن العمل الثقافي هو وظيفة أساسية للدول العربية. بالإضافة إلى دور وزارات الإعلام والتعليم والشؤون الإسلامية العربية في السعي إلى مواءمة الثقافة مع أجندة الدولة، فإن الجيوش العربية والكوادر الأمنية وأقسام المخابرات تشغل آلياتها القوية الخاصة بالغرس في السراء والضراء". فهل يمكن أن تتحرك القناة وضيوفها عن هذا التوجيه وفي هذا التوقيت؟ ويضيف: "أنه على الرغم من اتساع المجال المعلوماتي العربي، فإنه يظل في الغالب سلطويًا في هيكله وتهيمن عليه في المقام الأول الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة"، ونضيف وأيضًا إسرائيل الآن.
  2. الملمح الثاني: "أشار مجموعة من القادة العرب والمؤسسات مؤخرًا إلى انفتاح أكبر تجاه دولة إسرائيل واليهود بشكل عام"، ومن ملامح ذلك كما يشير التقرير: "ومن بين أكبر المؤسسات التعليمية والدينية في المنطقة، بدأ عدد قليل في تقديم أفكار تصحيحية لأجيال من التحريض ضد اليهود، لقد حظيت القيادة المصرية، على سبيل المثال، باعتراف لبدايات محاولة تطهير محتوى الكتب المدرسية المعادية للسامية".

يقدم النظام مبادراته المتعلقة بدور الدين في السياسة والحياة العامة المصرية على أنها دعوة للحداثة والتسامح بين الأديان ومحاربة التطرف، ولكن هذه المبادرات قد تكون في حقيقتها محاولة لبسط النفوذ وإحكام السيطرة على الأزهر وجميع المؤسسات الدينية وإخضاعها لقيادته وفي نفس الوقت دمج المصريين أو قطاعات منهم في شبكات تحالفاته الدولية ورعاته الإقليميين.

أختتم مشيرًا إلى أن تسييل التعاليم الدينية من المسائل الصعبة، ولكنه إن تم سهل عليك إعادة تعريف العدو ، وإعادة صياغة المجتمع والدولة وفق ما تريد، وهو ما يقوم به النظام من 2014 حتى الآن.

التسييل مهمة مؤقتة غرضها احتلال المناطق المسيلة برؤى النظام وتصوراته والتي جوهرها التحكم والسيطرة، ولكن انبعاث الجدل الديني يصادم هذه الرؤية من 3 وجوه:

  • انتقال مكان الجدل الديني من المسجد إلى الإعلام بشكله التقليدي والجديد يخفف من قبضة النظام، ففي حين جرت السيطرة على المساجد وتأميم مجمل المجال الديني فإن السوشيال ميديا صارت مكانا للجدل العام بدلا من المساحات المؤممة، وقد يوفر المجال العام "الافتراضي" أساسًا فعالًا لتحدي الأنظمة الاستبدادية، ولكن ليس بالضرورة لبناء بدائل سياسية فعالة.
  • يظهر تعدد المشاركين فيه عدم تجانس الدولة نفسها، وهذا ضد الصورة العامة التي يحاول فيها النظام التعامل مع الدولة كوحدة واحدة يسيطر عليها.
  • تشجيع الجدل الديني يدعم - من حيث لا يريد النظام - أطروحة الإسلاميين التي تدور حول مزيد من حضور الديني في المجال العام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة